Résumé :
في فترة البؤس، الّتي تلت حروب البلوبونيز، وفي السنة الّتي مات فيها بيركليس، عام (429 ق. م)، ولد أفلاطون في أسرة نبيلة، وتربّى تربية أمثاله من أبناء النبلاء، ومن الغريب أنّه لم ينهج نهج أقرانه الشرفاء في الحياة، فلم تجذبه الحياة السياسيّة بسلطاتها وجبروتها، ولم تخدعه ظواهر الإرستقراطيّة والألقاب وغيرها مّما يتطلّع إليه الشبّان عموماً وأبناء الطبقة العالية خاصّةً؛ فلقد احتقر كلّ ذلك واطمأنّ إلى العزلة الفلسفيّة، ولما بلغ العشرين صحب سقراط، وتولّد بينهما ما يتولّد عادةً بين الفتى المجتهد والمعلم العظيم، وقد تأثر أفلاطون بسقراط، ليس فقط في آرائه ومعتقداته، بل في حياته وأخلاقه، ولا يخفى أنّ سقراط كان مثالاً طيّباً للرجل قويّ الإرادة، القادر على كبح أهوائه، المتّبع في الحياة آراءً وقواعد لا يحيد عنها ولو تجزّع السمّ القاتل.
وبعد موت سقراط، قام أفلاطون بعدّة رحلات زار فيها ميغاريا ومصر وغيرها، وقد أفادته هذه الرحلات فوائد جمّة، ففضلاً عن أنها أكسبته خبرة بالناس والأخلاق، وعادت على نفسه بالمتعة واللذّة، فإنّها هيّأت له فرصة التعرّف على الفلسفات القديمة والحديثة، كالفيثاغوريّة والميغاريّة وغيرهما، مما كان له أكبر الأثر في حياته الفلسفيّة، وعاد أخيراً إلى أثينا وهو في الأربعين، حيث التف حوله طلبته، وأخذ يلقي دروسه في الأكاديميّة، وخيّم السكون والتفكير على حياته زمناً طويلاً، ثمّ قام برحلتين أخريين قطعتا عليه حبل التفكير والسكون، إلا أنّه عاد إلى أكاديميّته ليستأنف حياة التفكير والتعليم، ولم يكدّر صفوه في أخريات أيّامه إلا الإنقسام الّذي نشأ في مدرسته، والّذي يعدّ أرسطو مسؤولاً عنه، وبينما كان منهمكاً في الكتابة – أو في حفلة عرس حسب قول آخرين – صعدت روحه برفق وهدوء كأنّما أخذ بالعين إِغفاء.