تطور الدولة في المغرب ؛ إشكالية التكون والتمركز والهيمنة

من المعروف أن الدولة المغربية تعتبر من الدول المغرقة في القدم، أو ما يمكن أن ننعتها بالدول الألفية (Les Etats Millénaires)، فهي لا تقل كثافة تاريخية عن الدولة الصينية ضمن المنظومة الكنفشسية، والدولة الهندية ضمن المنظومة الهندوسية، أو عن الدولة الإيرانية ضمن المنظومة الفارسية، أو عن الدولة المصرية ضمن المنظومة الفرعونية.
لكن بخلاف هذه الدول التي تتمتع بتاريخ مكتوب يحدد مسارها ويعكس تطوراتها السياسية والإجتماعية والإقتصادية، بقيت الدولة المغربية دولة مبتورة التاريخ والهوية.
إذ رغم الكم النسبي والمتزايد للدراسات التاريخية والأبحاث الإقتصادية والسياسية حول الدولة بالمغرب، فإننا لا نتوفر لحد الآن على دراسة شمولية حول هذه الظاهرة، ترصد ظهورها وتحدد مسارها وتتابع تطورها.
ولعل غياب مثل هذه الدراسة هو الذي كان الدافع للبحث في هذه الظاهرة، وشجع على المضي قدماً من أجل بلورة معالم إشكالية متماسكة حول تطور الدولة بالمغرب وقد تم الإعتماد في بلورة هذه الإشكاليات على المنطلقات المنهجية التالية: أولاً: منطلق مفاهيمي يتمثل في إعتبار أن الدولة المغربية هي سيرورة تاريخية موحدة لا يمكن تجزئيها إلى دول أسرية أو دول تحقيبية يربط تصنيفها بأنظمة سياسية، ثانياً: منطلق أداتي يقوم بالأساس على الإعتماد على كل المصادر التاريخية سواء كانت مصادر قديمة أو مصادر أوروبية أو مصادر إخباريات محلية، وبالطبع فقد تم التعامل مع مختلف المعطيات التأريخية المشتقاة من هذه المصادر من منظور المحلل السياسي الذي يرمي إلى منطقة الأحداث ووضعها في سياق بنيوي شمولي، ثالثاً منطلق مقاربي تم من خلاله إستبعاد مختلف النظريات التي اهتمت بدراسة ظاهرة الدولة بشكل عام.
وقد تم الإستئناس بنظرية التطور (Evolutionary theorie) حيث قسمت الإشكالية المركزية لهذا البحث إلى إشكاليتين رئيسيتين: « الأولى: تم التعرف من خلالها إلى تكون الدولة بالمغرب وذلك من خلال بعدها التاريخي والسياسي والإيديولوجي »، « والثانية تم التطرق من خلالها إلى تجذر الدولة المغربية من خلال البحث عن تمركزها وفي هيمنتها ».
وقد تم تقسيم هذا البحث إلى فصل تمهيدي وقسمين رئيسين: القسم الأول سيتطرق إلى تكون الدولة بالمغرب وذلك من خلال: « التعرض لبروز الدولة بالمغرب (محور الباب الأول)، « وتوحيد الدولة لمجالها بالمغرب (محور الباب الثاني) »، أما القسم الثاني: سيتطرق إلى تجذر الدولة بالمغرب وذلك من خلال: « تناول ظاهرة تمركز الدولة بالمغرب (محور الباب الأول) »، « والتعرض لهيمنة الدولة بالمغرب (محور الباب الثاني) ».