تحت الخيمة

أقدم الدكتور سفيان بلحاج – الأستاذ بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة – على نقل هذا العمل الأدبي الفرنسي القيم عن حرب تطوان الشهيرة (1859-186) بدراية واقتدار، بعدما طال انتظار ترجمته إلى اللغة العربية قرنين تقريبا. وهي فترة زمنية كبيرة، لم يتمكن أثناءها من الاستفادة من استطلاعاته ومشاهداته اليومية مع رؤيته وقراءة محكياته وانطباعاته الشخصية، وتقييم مواقفه السياسية المتناقضة الرومانسية المعلنة، لا المؤرخ المحقق ولا الناقد المدقق إلا في النادر.
ترجمة هذه الرحلة الواقعية إلى العربية عمل مفيد إذا، لأسباب وحيثيات عدة، وحوافز وتداعيات كثيرة نذكر منها ما هو خاص وفريد مرتبط بزمن الأحداث العسكرية نفسها يتمثل في اتساع ميادين المعارك اليومية التي استخدمت فيها بكثافة وفظاعة بعض أحدث المدافع الرشاشة وفداحة خسائرها البشرية والمادية لا سيما في الطرف المغربي، ويتجلى في مدتها الزمنية الطويلة حيث استمرت شهورا استنزفت مقدرات القبائل الشمالية المقاومة وخربت أحياء تطوان وشتّتت فرق العسكر الشريف، ويتبدى في مجالها الساحلي الواسع الذي امتد من الشواطئ القريبة من حدود حصن سبتة المحتلة إلى أسوار تطوان وأحوازها وضواحيها بالشمال الغربي للمغرب. ولا نغفل منها أيضا ما هو عام وشامل يسم تعقيدات المرحلة التاريخية الحديثة برمتها في فترة التصنيع وانهيار التوازنات العالمية 1815-1885 حسب التحقيب الذي اعتمده المؤرخ الأمريكي بول كيندي في تصنيفه، يتعلق بطبيعة الأحداث ودور الفاعلين المؤثرين فيها بصفة مباشرة (القادة السياسيون والعسكريون الإسبان) أو بصفة غير مباشرة (الدبلوماسيون البريطانيون)، ويطرح على الضمير الإنساني في العصر الحديث مسألة جوهرية تتعلق بمدى بشاعة الحروب الإمبريالية في عصر الفورة الصناعية وحوافزها المادية ومسوغاتها الوقتية غير الأخلاقية في بقاع العالم غير المصنع.