الرواية والسوسيولوجيا مظاهر الإندماج والتفاعل

إن هدفنا من هذه الدراسة يكمن في الإشارة إلى أوجه التلاقي الكثيرة بين السوسيولوجي
والروائي. فقد سخر كلاهما ملكة تفكيره واجتهاده المعرفي النظري والمنهجي، في مقاربته للعالم وللوجود وللمجتمع بظواهره، وللنماذج البشرية المتنوعة الأقنعة وللأحداث الواقعية والمتخيلة. فالرواية تتطلب من القارئ / المتلقي رحلة طويلة يشق فيها دروب فك طلاسم سردها، والإبحار مع الروائي أو السارد في لجب المعاني التي يروم تبليغها والعمل على تأويلها، والتخلص من تجريدات خياله ومجازيّة أسلوبه والإجهاد في إدراك أبعاد رؤاه وتصوراته المذهبية والإيديولوجية، كما أن السوسيولوجي لا يحيد عن هذا المسلك الذي سلكه الروائي، إلا أن الخصوصية العلمية للسوسيولوجيا تفرض عليه نسبة من الحياد والتنحي عن حموة المشاعر وفورة الإحساس وهبة الانفعال والتحمس الذي يهز دواخل العديد من الروائيين والأدباء إن الباحث السوسيولوجي يستحسن سرد الروائي الذي يبدع في ملامسة خبايا المشاكل الإنسانية معتمدا سحر ،اللغة من محسنات بديعية وآليات سميائية ودلالية. إلا أن قواعد السوسيولوجيا ومنهجيتها وأدواتها العلمية تلزم السوسيولوجي تقديم تلك المشاكل عارية من الذاتية والخيال والأصباغ. فبعلميته الموضوعية وصرامة منهجيته وجرأة خطابه يفضح المحظور ويظهر الأسرار الخفية وكأنه طبيب المجتمع، يبين الزلل والخطأ، ويُشخص المرض، ويخضع الظواهر الاجتماعية للقياس والتمحيص والتشريح والتحليل والمقارنة من أجل تحديد الداء ووصف الدواء والعلاج والتقييم وتقديم البديل، وذلك اعتمادا على منهجية دقيقة ملائمة. إنه يكشف المسافة بين بنية المجتمع وواقع الناس والأطراف الفاعلة فيه سياسيا واقتصاديا وثقافيا. فلا شك من أن الروائي يصاحب السوسيولوجي، وكل من موقعه في افتحاص المجتمع والسلوك الجمعي السوي والمرضي والنشاط الإنساني والأفعال الاجتماعية الداخلية والخارجية والأنساق الأخلاقية المعيارية والدينية، والتفاعلات الميدانية والسلوكات والتصرفات اليومية والتنافس والصراع الفردي والجماعي، وأنماط السلط الاستبدادية والبيروقراطية والديمقراطية والتوازن والهيمنة والتراتبية الحزبية والخطط التنموية اللا عقلانية والتدبير اللا اقتصادي المناسباتي والترقيعي اللامنهجي واللاعلمي. فالتشارك والانسجام والتلاقح بين الإبداع الروائي وبين السوسيولوجيا، دال بمواضيعهما للمهتمة بقضايا الإنسان الجلية والخفية على التشاكل والتشابه والتكامل بينهما، الأولى كإبداع فني، والثانية كاشتغال علمي بكل مدارسه ومناهجه