Résumé :
مع المكتوب تنشأ التفرقة بين الخاصَّة والعامَّة، التي تحيل إلى شكلَيْن أدبيَّيْن متميِّزَيْن، كما يتأسَّس عهد الرسالة التي تحتمل دلالتَيْن ووجهَيْن، أي نمط من الإنشاء مَبنيّ على الكتمان والإخفاء. هذه الحيلة الخطابية شائعة في الثقافة العربية، ويكفي التذكير بأبي العلاء المعرِّي الذي يومئ إلى أن ديوانه لُزُوم ما لا يَلزَم يتضمَّن رسالة خفية، كما يمكن ذِكْر الصوفيِّيْن الذين ينصحون مُريديهم بعدم الإعلان عن مكاشفاتهم؛ ومن جهتهم لم يكن الفلاسفة يوجِّهون ما يكتبون إلَّا لأقلِّية، ويَحظُرون تلقين بعض المعارف لـ «الجمهور» (يندهش قارئ حيّ بن يَقْظَان من كثرة ورود كلمة «سرّ» و«رمز» و«إشارة» و«حجاب» في هذا المصنَّف). وكما نرى فإن الأمر يتعلَّق بفنٍّ من الكتابة، يُمليه الاحتراس والخوف من المضايقة والاضطهاد. فما كلُّ ما يُعْلم يُقال، وليست الحقيقة مقبولة عند الناس كلِّهم، وفي بعض الحالات يكون الكشف عنها فعلاً ذميماً، يستوجب اللوم، لأنها قد تُثير الفتنة في الأذهان والاضطراب بين الناس.